الاثنين، 6 فبراير 2012

مقدمة الكتاب (1)


فكرة لا تبدو في البداية منافية للعقل ، هي فكرة لا طائل من ورائها.
ألبرت أينشتين

هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي نستطيع في السير عبر الحوائط؟، أن نبني سفن فضاء تنتقل بسرعة أعلى من سرعة الضوء؟، أن نقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟، أن نحرك الأجسام بطاقة عقولنا؟، أن ننقل أجسادنا بطريقة لحظية عبر الفضاء؟
لأني كنت طفلا ذات يوم، فقد كنت مسحورا بتلك الأسئلة. وككثير من الفيزيائيين، عندما كنت أكبر كنت مفتونا بإمكانية السفر عبر الزمن وقاذفات الأشعة ومجالات الطاقة والأكوان المتوازية وما يشابهها.
 كان السحر والفانتازيا والخيال العلمي ملاعب عملاقة لتخيلاتي. بدأ معهم علاقتي الغرامية الطويلة مع المستحيل.
أتذكر مشاهدة حلقات "فلاش جوردون"(2) القديمة على التلفاز، كل سبت، كنت ألتصق بالكرسي أمام التلفاز متأملا لمغامرات دكتور زاركوف وديل آردين ومنظومتهم المبهرة من التكنولوجيا المستقبلية: السفن الصاروخية والمصدات الخفية ومسدسات الأشعة ومدن السماء. لم أفقد أسبوع منها أبدا. فتحت تلك الحلقات أمامي عالما جديدا تماما. كنت مغويا بفكرة وصولي إلى كوكب يقطنه كائنات عاقلة واستكشاف بقاعه العجيبة. وبانجذابي إلى مدار تلك الاختراعات الفانتازية علمت أن قدري قد إنحرف مع عجائب العلم التي تبشر بها الحلقات.
لم أكن وحيدا كما اتضح لي. فالعديد من العلماء البارعين جاء إهتمامهم بالعلم من الأساس عبر تعرضهم للخيال العلمي. الفلكي العظيم إدوين هابل كان مفتونا بأعمال جول فيرن. وكنتيجة لقراءة أعمال فيرن، هجر هابل مستقبلا واعدا في مجال المحاماة وخيب آمال والده، وبدأ العمل في مجال العلم. ليصبح في النهاية أعظم فلكيي القرن العشرين. الفلكي المعروف والكاتب ذائع الصيت كارل ساجان اشتعل خياله بقراءة أعمال إدجار رايس وشخصية جون كارتر في رواياته عن المريخ. ومثل جون كارتر، حلم كارل ساجان باليوم الذي يستكشف فيه رمال المريخ.
كنت طفلا في اليوم الذي مات فيه آينشتين، ولكني أتذكر أن الجميع كانوا يتحدثون عن حياته، وموته بنبرات بنبرات هادئة. وفي اليوم التالي رأيت صورة مكتبه في الجريدة، وعليه مخطوطات أعظم أعماله التي لم ينتهي منها. سألت نفسي عندها، ما هو هذا الشيء البالغ الأهمية الذي لم يستطع أن ينهيه أعظم علماء عصرنا؟ كان المقال يزعم أن آينشتين كان لديه حلما مستحيلا، مسألة في غاية الصعوبة، لدرجة يتعذر عندها على فان أن ينهيها. استغرق مني الأمر سنوات لأكتشف ما كان يتناوله هذا المخطوط:"النظرية الموحدة العظمى لكل شيء". كان هذا حلمه الذي إستهلك العقود الثلاثة الأخيرة من حياته والذي ساعدني على تركيز خيالي. فقد أردت –بدرجة ما- أن أكون جزءا من الجهد الذي سيكمل عمل آينشتين لتوحيد قوانين علم الطبيعة في نظرية واحدة.
وكلما كنت أنضج أكثر كنت أدرك أنه على الرغن من أن فلاش جوردون كان البطل الذي دوما ما يحظى بالفتاة،إلا أن العالم هو الذي يصنع حقيقة حلقات المسلسل. فبدون دكتور زاركوف لن يكون هناك صواريخ فضاء ولا رحلات إلى مونجو ولا إنقاذ للأرض. فإذا نحينا البطولات جانبا، بدون علم لا وجود للخيال العلمي. وأدركت أيضا أن هذه الحكايات في لغة العلم وبمنتهى البساطة مستحيلة،فهي فقط عبارة عن قفزات خيال، كان النضج يعني أن أنحي هذه الفانتازيا جانبا. في الحياة الواقعية، أخبروني أننا يجب أن نتخلى عن المستحيل ونحتضن الأشياء العملية. ومع ذلك فقد استنتجت أنني إذا كنت أرغب في مواصلة إفتتاني بالمستحيل، فمفتاحي يكمن في مملكة علم الطبيعة. فبدون خلفية عميقة في علم الطبيعة سأظل حائرا للأبد في تساؤلاتي عن التكنولوجيا المستقبلية دون قدرة على فهم إذا كان ذلك ممكنا أو لا. أدركت أنني أحتاج إلى غمس نفسي في الرياضيات المتقدمة وأن أتعلم الفيزياء النظرية، وكان هذا ما فعلته.
في المدرسة الثانوية قمت بتجميع معجل جسيمات في جراج المنزل وقدمته كمشروعي العلمي للتخرج. ذهبت إلى شركة وستنجهاوس(3) وقمت بتجميع أربعمائة باوند من المحولات الخردة المصنوعة من الصلب. وفي الكريسماس عكفت على لف 22 ميل من الأسلاك النحاسية على إتساع ملعب كرة قدم المدسة الثانوية.
في نهاية الأمر أنشأت معجل جسيمات بقدرة 2.3 مليون إلكترون فولت، والذي يستهلك طاقة تقدر بستة كيلووات (مقدار الطاقة التي يمكن إستخراجها من منزلي) ويولد مجال مغناطيسي يفوق المجال المغناطيسي للأرض ب 20000 ضعف. كان هدفي من ذلك هو توليد شعاع من أشعة جاما لديه القدرة الكافية لتخليق مادة مضادة(4).
أخذني مشروع التخرج هذا إلى المعرض العلمي الوطني وأنجز حلمي في نهاية الأمر بفوزي بمنحة للدراسة بجامعة هارفارد، ذلك المكان الذي يمكنني من متابعة هدفي في أن أصبح فيزيائيا وأن أتتبع خطى ملهمي، ألبرت آينشتين.
واليوم أستقبل الرسائل من كتاب الخيال العلمي وكتاب السيناريو، يسألونني مساعدتهم على شحذ حكاياتهم باستكشاف حدود قوانين الفيزياء.      

هناك 3 تعليقات: