دوما النبوءات من الأشياء الخطرة، خاصة تلك التي تذهب لقرون أو آلاف السنوات من المستقبل. من مقولات الفيزيائي نيلز بور الأثيرة "التنبؤ شيء في منتهى الصعوبة، خاصة فيما يخص المستقبل"، لكن هناك اختلاف أساسي بين عصر جول فيرن والحاضر. فاليوم قوانين الفيزياء التأسيسية مفهومة بطريقة جوهرية. استنتاج الفيزيائيون اليوم المدهش للقوانين الأساسية يصل من ثلاثين إلى أربعين رقم بعد العلامة العشرية، بدءا من داخل البروتون ليصل إلى تمدد الكون. وكنتيجة لهذا يستطيع الفيزيائيون بثقة لها أسبابها أن يبينوا كيف ستبدوا الخطوط العريضة لتكنولوجيا المستقبل، وكذلك التفريق بدقة بين تكنولوجيات بعيدة الاحتمال فحسب وأخرى فعليا مستحيلة.
لذلك ففي هذا الكتاب قمت بتقسيم الأشياء "المستحيلة" إلى ثلاثة طبقات. الأولى هي ما أسميته مستحيلات الفئة الأولى. وهي التكنولوجيا المستحيلة اليوم ولكنها لا تناقض القوانين المعروفة لعلم الطبيعة. ولذلك فقد تكون ممكنة في هذا القرن، أو ربما القرن القادم، على الأكثر. وهي تتضمن الانتقال الآني ومحركات المادة المضادة وأشكال معينة من التخاطر عن بعد وكذلك التحريك عن بعد والاختفاء.
الطبقة الثانية هي ما اصطلحت على تسميته مستحيلات الفئة الثانية. وهي التكنولوجيا التي تقف عند أقصى حدود فهمنا للعالم الفيزيائي. إذا كانت تلط الطبقة ممكنة أساسا، فمن الممكن أن نحققها في مستقبل يمتد إلى آلاف أو ملايين السنوات. وهي تتضمن آلات الزمن والسفر عبر إختصار الفراغ hyperspace travel وأيضا السفر عبر الثقوب الدودية(*) wormholes.
الطبقة الأخيرة هي ما أسميتها بمستحيلات الفئة الثانية. وهي التكنولوجيا التي تناقض القوانين الفيزيائية المعروفة. ومن المدهش أن التكنولوجيات المستحيلة قليلة جدا. وإذا تحولت ذات يوم إلى نطاق الإمكانية، فذلك يعني تحول جوهري في فهمنا لعلم الطبيعة.
أشعر بأن هذا التصنيف ذو مغزى وذلك لأن العلماء يصمون تكنولوجيات كثيرة ترد في الخيال العلمي بكونها مستحيلة كلية، في يحن أنهم يقصدون حقيقة أنها مستحيلة بالنسبة لحضارتنا البدائية. زيارات المخلوقات الفضائية على سبيل المثال تعد عادة مستحيلة لأن المسافة بين النجوم هائلة للغاية. بينما يعد الارتحال بين النجوم بالنسبة لحضارتنا واضح الاستحالة، فقد يكون ممكنا لحضارة تسبقنا بقرون أو آلاف أو ملايين السنوات. ولذلك فمن المهم ترتيب ذلك "الانعدام للإمكانيات".
التكنولوجيا التي تعد مستحيلة بالنسبة لحضارتنا الحالية قد لا تكون بالضرورة مستحيلة لأنواع أخرى من الحضارات. فالإقرارات بما هو ممكن وما هو مستحيل يجب أن تأخذ في الإعتبار تلك التكنولوجيات التي تبعد عنا من آلاف إلى ملايين السنوات.
كتب كارل ساجان(*) ذات مرة "ماذا يعني لحضارة أن يكون عمرها مليون عام؟ نحن لدينا تليسكوبات الراديو وسفن الفضاء منذ عقود قليلة، وحضارتنا التقنية لا يتعدى عمرها بضع مئات من السنين .... نحن نقع في موقع القردة بالنسبة لحضارة عمرها ملايين السنوات"
أركز في أبحاثي الخاصة على محاولة إكمال حلم آينشتين ب"نظرية لكل شيء". وبطريقة شخصية أجد أنه من الممتع العمل على "نظرية نهائية" والتي يمكنها أن تجيب جوهريا على أكثر الأسئلة صعوبة عن "المستحيل" في العلم اليوم، مثل ما إذا كان السفر عبر الزمن ممكنا، وما يوجد في مركز ثقب أسود، أو ماذا حدث قبل الانفجار العظيم(*). ما زلت أمارس أحلام اليقظة حول علاقة الحب مع المستحيل والتي دامت مدى الحياة، وتتملكني الدهشة من حياة يومية تألف تلك المستحيلات.